يوسف الخضراوي
مع نهاية الموسم الدراسي، تعلو الأصوات متسائلة حول حصيلة المنظومة التعليمية بالمغرب، وفاعلية السياسات الحكومية الرامية إلى تجويدها.
في صلب هذا النقاش، يبرز مشروع “مدارس الريادة” كحجر أساس في خارطة الطريق 2022-2026، مبادرة أطلقتها وزارة التربية الوطنية و التعليم الأولي و الرياضة لتجاوز النتائج المتدنية في الاختبارات الدولية وتحقيق قفزة نوعية. فهل ينجح هذا المشروع الطموح في رسم ملامح جيل جديد من المتعلمين، القادرين على التفكير النقدي والإبداع، أم أن التحديات الكامنة قد تعرقل مسيرته نحو بناء تعليم ذي جودة حقيقية؟ هذا المقال يبحث في تفاصيل “مدارس الريادة”، مستعرضًا أهدافها، إنجازاتها الأولية، والتحديات التي تواجهها على أرض الواقع.
تسعى المدرسة الرائدة إلى تحقيق التطور والتحسن المستمر في التعليم والتعلم، كما تتميز بتبنيها أساليب وطرقًا مبتكرة ومتطورة تدمج بين التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، وذلك بهدف تحقيق جودة التعليم، وتطوير مهارات المتعلمين، وتنمية قدراتهم العقلية والمعرفية.
انطلق العمل بمشروع “مدارس الريادة” خلال الموسم الدراسي 2023-2024، والذي شمل 628 مؤسسة من التعليم العمومي الابتدائي كمرحلة أولى، لتصل إلى 2626 مدرسة ابتدائية كمرحلة ثانية خلال الموسم الدراسي الحالي، على أن تغطي 50% من المدارس الابتدائية، أي 4634 مدرسة ابتدائية، كمرحلة ثالثة من مراحل التجريب في الموسم الدراسي المقبل 2025-2026.
يُعتبر مشروع “المدرسة الرائدة” برنامجًا طموحًا يهدف إلى تحسين جودة التعليم وتعزيز الكفايات الأساسية، حيث يتم التركيز في بداية الموسم الدراسي على دعم مكثف وفق المستوى المناسب، وذلك بتمرير مجموعة من الروائز القبلية لتحديد مكامن الضعف.
بعد ذلك، يُصنَّف المتعلمون إلى مجموعات متجانسة، مما يتيح للمتعثرين فرصة تجاوز صعوباتهم في القراءة والكتابة والحساب، من خلال التركيز على تجويد مردودية الاكتساب لدى المتعلم، وذلك بتوظيف التقنيات التكنولوجية الحديثة، والتركيز على البيداغوجيات النشيطة، وجعل المتعلم فاعلا أساسيا في هذه العملية، وتقليص دور المدرس وجعله ميسّرا يرافق المتعلم حسب مستواه، إضافة إلى القياس المستمر لحصول الأثر لديه على مستوى التعلمات الأساسية.
وقد انعكس ذلك إيجابيا على أداء المتعلمين وأسفر عن نتائج ملموسة، فقد لوحظ تطور فاق الضعفين، خصوصًا في المستويات الثلاثة الأولى من التعليم الابتدائي، إلا أن فعاليته تقل كلما انتقلنا إلى مستويات أعلى. ومع نهاية فترة الدعم، يتم تحديد لوائح المتعثرين قصد توجيههم للدعم المؤسساتي، بغية إنصافهم وتحقيق العدالة.
وينطلق العمل بالتعليم الصريح كمرحلة ثانية، يتم خلالها تقديم المهارات والمعارف بشكل مباشر للمتعلمين، عن طريق التصريح بالأهداف التعليمية والخطوات المنهجية، مع التفويض التدريجي للمسؤولية، وتقديم التغذية الراجعة الفورية. وهكذا، يتعرف المتعلم على ما يُتوقع منه بالضبط، فيصبح أكثر قدرة على توجيه جهوده، وتركيز انتباهه على تملك الكفايات التي تتطلب منه فهمًا عميقًا، وتطبيقًا دقيقًا لمجموعة من المعارف والمهارات المحددة.
وعلى الرغم من الفوائد العديدة للتعليم الصريح ونتائجه الإيجابية، خصوصًا في مادة الرياضيات، إلا أن الممارسة التربوية تسجل سلبيات مختلفة، من بينها الحد من الإبداع والتفكير النقدي، لأنه يرتكز على نقل المعرفة الجاهزة، عن طريق توجيه المتعلمين خطوة بخطوة.
فرغم أن هذا النهج فعّال في ترسيخ بعض التعلمات، إلا أنه يقف حجر عثرة أمام التفكير المستقل والبحث عن الحلول المبتكرة، مما يجعل المتعلم متلقيًا سلبيًا للمعلومة، كما أنه لا ينمّي مهارات التفكير النقدي.
وهذا ما نبه إليه المجلس الأعلى للتربية والتكوين في تقريره عن “مدارس الريادة”، بضرورة الأخذ بعين الاعتبار كفايات الابتكار والإبداع والتفكير النقدي التي نصت عليها الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، وأحكام القانون الإطار 51-17. لذلك، فإن التوازن بين التعليم الصريح والأساليب الأخرى ضروري للوصول إلى مستويات التفكير العليا.
على الرغم من الإمكانات الواعدة للمدرسة الرائدة، إلا أن تطبيقها لا يخلو من التحديات. يتطلب الأمر موارد مالية مهمة، خصوصًا في المؤسسات الموجودة في المناطق النائية. كما يشكل التأطير التربوي للأساتذة من طرف المفتشين والمفتشات تحديًا آخر، فعدد هيئة التأطير غير كافٍ، مما يُصعّب من تغطية جميع المدارس.
بشكل عام، يُعد مشروع “مدارس الريادة” خطوة مهمة نحو تحسين جودة التعليم في المغرب، وقد أظهرت نتائجه الأولية قدرته على إحداث فرق إيجابي في المستويات الدنيا. ومع ذلك، يبقى تحقيق أهدافه على المدى الطويل مرهونًا بمعالجة التحديات المرتبطة بالموارد المادية، وضرورة إيجاد توازن بين أساليب التعليم المختلفة، لضمان تنمية شاملة لكفايات المتعلمين.